الرئيس الأمريكي الجديد باراك أوباما بعد فوزه الكاسح على منافسة الجمهوري جون ماكين، بعد أن استفاق نهار الخامس من نوفمبر /تشرين الثاني الجاري ليدرك أنه ورث عن إدارة بوش تحديات من شأنها أن تغرق أي قائد مهما كانت مهارته وتدفعه لأن يواجه قيودا وأكلافاً تطال مهاراته السياسية الاستثنائية حتى ولو منحته الأزمات التي هو بصددها فرصة متميزة لإعادة هيكلة فرضيات البلاد وتغيير مصطلحات النقاش وتبديل خطوط وحظوظ السياسات الملتبسة.. ويبقى التساؤل ماذا بعد فوز أوباما وهل يملك الشاب الذي تجرأ على الأمل مصباحًا سحريًا يمكنه من عبور “نهر الأزمات” الأمريكية المعاصرة؟
على أن أولى العلامات في طريق فهم هذا الفوز تتقاطع طولا وعرضا مع إشكاليتين رئيسيتين هواجس العنصرية ومخاوف الإسلاموفوبيا.. فماذا عن ذلك؟
أفضل إجابة يطالعها المرء فيما يختص بالجزئية الأولى تلك التي أشارت إليها الكاتبة الأمريكية “دونا بريت” عبر “الواشنطن بوست” الأمريكية وفيها أنه “في مقابل كل الخلافات العقلانية والتوقعات المنطقية فتح عدد من الأمريكيين من مختلف القناعات والمذاهب قلوبهم وعقولهم وأرواحهم لإمكانية كون شخصاً أسود هو الخيار الأفضل لقيادتهم ومهما حدث فقد أنارت كمية لا يمكن قياسها من النور الظلام الذي كنا نعيش فيه”.
فيما الأمر الايجابي والمحقق يختص بالإشكالية الثانية أي مخاوف الإسلاموفوبيا ذلك أنه ضمن الضربات الظاهرة والخفية التي وجهت لأوباما أثناء الحملة الانتخابية كانت أدوات الترهيب والتخويف المرتكنة إلى أن والده مسلم كيني. وقد كانت حملة هيلاري كلينتون من الأوائل الذين فكروا في تفعيلها ووصل الأمر بتلك المشاعر حد أن سارة بالين المرشحة كنائب لماكين قالتها علنا “هذا رجل ليس منا، نحن نخاف على مستقبل أمريكا لأنه لا ينظر إلى أمريكا كما ننظر نحن إليها اليوم”.
ورغم تلك الحملة الشعواء فإن الناخب الأمريكي ضرب صفحا عنها ومضى في طريق اختياره لأوباما ما يعني أن الرجل يمكن أن يكون بداية حقيقية لتصالح أمريكي داخلي وتجاوز واقعي لهواجس ومخاوف أرادت أن تجعل من العدو الأخضر (الإسلام) بحسب العنصرية السياسية إن جاز التعبير وبحسابات البحث عن عدو جديد الخلف المرشح لتحميله أوزار وكراهية العدو الأحمر (الاتحاد السوفييتي سابقا).
لكن الأمر قد لا يكون على هذا النحو من التبسيط، فالطريق طويل أمام أوباما وفي حملته الانتخابية إشارات شخصية غير مطمئنة وبخاصة عندما رفض أن تلتقط له صور مع فتاتين محجبتين أثناء أحد اللقاءات، ما يخشى معه أن يكون الأمريكيون في طريقهم للاستفاقة من بشاعة الإسلاموفوبيا وتكون هي ماضية قدما في طريقها للبيت الأبيض، سيما وأنه لم يسلط الضوء في خطاب تنصيبه على الأهمية القصوى لتحسين العلاقات الأمريكية مع العالم الإسلامي كما أوصى معهد “التوصل إلى الإجماع” في بوسطن بالمشاركة مع مركز “البحث عن أرضية مشتركة” في واشنطن مؤخرا وللأمر حديث آخر.
وبالنظر إلى خطاب التنصيب الذي ألقاه أوباما في الساعات الأخيرة من ليل الرابع من نوفمبر يجد المرء إذا تفحصه بعناية أنه أمام رئيس مستغرق في المشاكل موحول في المستنقعات وأنه بحسب قوله في حاجة إلى وقت طويل، ربما إدارة كاملة أي نحو أربع سنوات للتعاطي مع التركة المشينة التي خلفها له بوش ما يجعل الآمال الفوارة في تغيير عاصف سريع تخبو.. ماذا عن تلك العقبات؟
في تلخيص غير مخل يمكن أن نشير إلى الخطوط الرئيسية التي سيتوجب على أوباما قسرًا التعامل معها وفي مقدمتها:
* صورة أمريكا المهترئة: فبعد أن كانت الولايات المتحدة الأمريكية رمزًا للتحرر من قيود الاستعمار باتت مؤخرًا دولة مستعمرة وقد أصاب ديمقراطياتها الداخلية عطب جسيم.
* انتشار الأسلحة النووية: خرق بوش المعاهدات الخاصة بالرقابة على التسلح وعرض بيع مفاعلات نووية للهند وأشرف على إعادة بناء الترسانة النووية الأمريكية سرًا وجهرًا.
* نفقات الدفاع الهائلة: كانت السنوات الثماني الماضية عنوانا لتعاظم قدرات المركب الصناعي العسكري الأمريكي عبر ميزانية دفاعية تتجاوز ال700 مليار دولار بزيادة نسبتها 62% عن الميزانيات في عهد كلينتون.
* عودة الحرب الباردة: تجد أمريكا نفسها اليوم وقد خسرت كل مراحل بناء الجسور التي عمل عليها ريجان وبوش الأب وكلينتون مع روسيا عرضة للانهيار من جراء عداء واضح واستعداء مؤكد تمثل في درع الصواريخ في دول أوروبا الشرقية.
* صعود التنين الصيني: أقبل أوباما على البيت الأبيض وفي استقباله تنين رهيب قادر على ابتلاع النسر الأمريكي في مدى زمني لا يتجاوز العقود الثلاثة عسكريا وقادر في التو واللحظة على افتراسه اقتصاديا.
* أزمة مالية خانقة: كيف سيتدبر الأمريكيون طريقا للخلاص من الأزمة التي أمسكت برقابهم والتي ستؤدي حتما إلى ازدياد العجز في الموازنة والاستدانة من كافة دول العالم لسد العجز؟
* فلسفة القوة: عمدت الإدارة السابقة إلى فلسفة الضربات الاستباقية وغزو الدول وتفعيل المؤامرات الاستخبارية وخطف المغايرين لسياساتها فهل ستمتد الرؤية إلى الإدارة القادمة؟