الخرطوم ... نشأتها و تاريخها ... توثيق
مقدمة :
ونحن في بداية مشروعنا الهام والضروري للتوثيق لمدينتنا الأم الخرطوم ،
كان لابد من ضرورة البحث و التمحيص من اجل الحصول على المعلومة الدقيقة
والصحيحة حول نشأت و تاريخ هذه المدينة العريقة . مع ضرورة التركيز على
الأسباب التاريخية من الناحية السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية و
الطبوغرافية . و التي أسهمت بقدر كبير في اختيارها و إنشائها في موقعها
الحالي . لذلك ولربط المعلومة قديما وحديثا - من اجل التوثيق الكامل - كان
لابد من التركيز أولا على الفترة التاريخية للمنطقة التي أنشئت فيها
المدينة بعد الفتح التركي للسودان . إلى أن سقطت في أيدي ثوار المهدية
بقيادة الإمام محمد احمد المهدى و نعنى فترة الحكم التركي السابق للسودان
(1820- 1885 م ) .
و للأمانة لابد هنا من الإشارة إلى أن كل ما سيرد ذكره هنا من معلومات
تاريخية عن مدينة الخرطوم ، كانت مصادرها ( الروايات الشفوية – الوثائق –
المخطوطات – المراجع العربية – المراجع الغربية ) و التي بلغ عددها ما
يقارب الآلف مرجع . ولابد من الإشارة بصفة خاصة و كمرجع أساسي في فيما
سيلي من معلومات عن تاريخ مدينة الخرطوم و نشأتها ، لرسالة الدكتوراه (
تاريخ مدينة الخرطوم تحت الحكم المصري 1820 – 1885 م ) و التي حصل بها
صاحبها الدكتور / أحمد أحمد سيد أحمد على درجة الدكتوراه من كلية الآداب
قسم التاريخ – جامعة القاهرة عام 1963م . ولهذه الرسالة (المرجع) قصة لا
تخلو من طرافة ، إذ أنها أخرجت إلى النور في السلسلة المجيدة ( سلسلة
تاريخ المصريين ) بالرقم ( 185) . ويقول عنها رئيس تحرير سلسلة تاريخ
المصريين الدكتور / عبد العظيم رمضان ، انه لا يعرف الكاتب ( الدكتور /
أحمد احمد سيد احمد ) ولا يعرف إن كان حيا أو ميتا ، وقد عرف الرسالة حين
اشتراها من سور الازبكية بطريق الصدفة . وقد اعجب بها بعد قراءتها و رأى
أن يخرجها إلي النور ضمن هذه السلسلة المميزة . ونسبة لكثرة المراجع التي
اعتمد عليها هذا التوثيق ، فسنشير إلى المصدر في سياق هذا التوثيق متى ما
كان ذلك ضروريا ، و سنشير لها كاملة في باب منفصل في نهاية هذا التوثيق
حفظا لحقوق الموثقين و الرواة .
رأينا التركيز على هذه الفترة من تاريخ الخرطوم لأهميتها ، حيث كان فيها
مولد الخرطوم كمدينة و من ثم عاصمة للسودان . و إن التركيز على هذه الفترة
من الأهمية بمكان ، لتضاف للمجهودات القيمة التي قام بها وما زال يقوم بها
الكثيرون من أعضاء هذا المنبر ( الوطن ) ، وهم يوثقون لمدينتهم وعاصمتهم
الخرطوم في أزمان مختلفة و لشتى ضروب الحياة فيها . و التي سنستفيد منها
أيما استفادة ونحن نجمع كل معلومة مهما صغر حجمها حتى يخرج التوثيق الكامل
لمدينة الخرطوم بالمستوى المطلوب .. يشرف كل أبناء السودان و أبنائها بصفة
خاصة . فلنبدا هذا السفر الهام و الله المستعان .
مدخل :
دراسة تاريخ المدن – النشأة والتكوين والتأثير – ليست بالأمر السهل . فإلى
جانب إنها يجب أن يتوفر فيها الإلمام بالنواحي السياسية و الاقتصادية و
الاجتماعية في البلاد . ثم بالحوادث التي تردد المدينة بلا شك أفعالها .
لذلك فان تلك الدراسة لابد أن تجنح جنوحا معينا يؤدى الغرض المقصود من
دراسة تاريخ مدينة بذاتها و ما كان أو مازال لها من تأثير .
و يزيد من صعوبة الأمر أن المقالات التي كتبت بشكل خاص عن مدينة الخرطوم ،
و تأثيرها في الماضي أو الحاضر لا يتعدى عددها أصابع اليد الواحدة . مما
حمل على ضرورة التنقيب و التمحيص عن كل ما ذكر عن المدينة في كل الكتب و
المراجع المعاصرة . و خاصة – كتب الرحالة و المكتشفين الذين زاروها و
رأوها رأى العين - أو جاء ذكرهم لها في كثير من الأحيان ذكرا عابرا و
متناثرا و غير مترابط . وعلاوة على ذلك فان الموضوع لم تكن تستقيم معالجته
دون الاستعانة بكثير من الروايات الشفوية ، و التي استقيت من رجال مسنين
من سكان القرى المحيطة بالمدينة رأوا المدينة بأعينهم قبل خرابها أو سمعوا
أخبارها من ثقاة .